فصل: شهر جمادى الثانية سنة 1222:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الثانية سنة 1222:

واستهل بيوم الخميس في ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا إلى بولاق وعدى إلى ناحية بر أنبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر إلى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية أياماً وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت المقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع.
وفي ثالثه، طلبوا أيضاً خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها إلى العرضي اختاروا منها جيادها وأعطوا أربابها عن كل فرس خمسين قرشاً وردوا البواقي لأصحابها.
وفيه، طلبوا أيضاً دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيساً فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا إلى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من التجأ إلى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة أيام وركب السيد عمر وعدى إلى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم أماناً بذلك.
وفي خامسه، حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته أشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بأنبابة فرقدوا بها ليأخذوا لهم راحة وناموا فلما استيقظا فلم يدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا إلى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها.
وفي يوم السبت، مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيداً ومولداً بحارتهم وأولموا بينهم ولائم وأوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكاً حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي.
وفي الثلاثاء ثالث عشره، طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي فعدى إليه ببر أنبابة فخلع الدفتردارية وحضر إلى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب إليه الناس يهنؤونه وانفصل أحمد أفندي عاصم عن الدفتردارية.
وفي يوم الخميس خامس عشره، عمل الباشا شنكاً بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما أصبح أمر بالارتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال إلى المنصورة.
وفي يوم الجمعة سادس عشره، الموافق لسادس مسرى القبطي أفي النيل أذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة أيام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت أثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت إليهم أنفسهم وأظهروا الغلال في العرصات والرفع وركب كتخدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج.
وفيه وصل قابجي إلى ثغر سكندرية وحضر بعد ذلك إلى ثغر بولاق من طريق البر إلى قبرص وتحرى الوصول إلى دمياط ثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانه باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وإبطاله من إسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوماً فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا وأحضروا الآغا بموكب ودخل من باب النصر وقرئ الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكاً ومدافع من أبراج القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة.
ومن الحوادث، أنه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد فيه الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع إليه الكثير من أهل القرى وأكثرهم الأحداث ونصيبوا له خيمة وكثر جمعه وأقبلت عليه أهالي القرى بالنذور الهدلي وصار يكتب إلى النواحي أوراقاً يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به أهل القرية الفلانية حال وصول الورقة إليكم تدفعون لحاملها خمسة أرداب قمح أو أقل أو أكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفاً أو نحو ذلك فلا يتأخرون عن إرسال المطلوب في الحال وصال الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئاً من المظالم التي يطلبونها منكم ومن أتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين إلى تلك النواحي يطلب الكلف أو الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وإن عاند قتلوه فثقل أمره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام وأخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين أمرد وغالبهم أولاد مشايخ البلاد وكان إذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاماً وسيم الصورة أرسل يطلبه فيحضورنه إليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردنا وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضاً وعمل للمردان عقوداً من الخرز الملون في أعناقهم ولبعضهم أقراطاً في آذانهم ثم أن شيخاً من فقهاء الأزهر من أهالي بنها يقال له الشيخ عبد الله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجره من أراضي بنها كان لأسلافه وأن الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل بإغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونه ولم يحسن سبك دعواه وخصوصاً كونه مفلساً وخلياً من الدراهم التي لا بد منها الآن في الجعالات والبراطيل للوسايط وأرباب الأحكام وأتباعهم ويظن في نفسه أنه يقضي قضيته يقال المصنف إكراماً لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع أمره إلى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا للباشا أنه غير محق وطردوه فسافر إلى بلده وسافر الباشا أيضاً إلى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبد الله المذكور إلى الشيخ سليمان المذكور وأغراه على الحضور إلى مصر وأنه متى وصل اجتمع عليه المشايخ وأهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء إلى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم في اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن أوصاف ذلك الشيخ أنه لا يتكلم إلا بالذكر أو الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في أكثر أوقاته بالإشارة ثم إنه أطاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه ومعه طبول وكاسات على طريق مشايخ أهل العصر والأوان الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ودخلوا إلى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة إلى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في أيديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد إلى العصر ثم دعاهم إنسان من الأجناد يقال له إسماعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه إلى داره بعطفة عبد الله بك فعشاهم وباتوا عنده إلى الصباح فلما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته إلى ضريح الإمام الشافعي فجلس بالمسجد أيضاً مع أتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وأمثاله فكتب تذكرة وأرسلها إلى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به وأكد في الطلب وقصده أن يفتك بهم لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فأرسل يقول له إن كنت من أهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك وإلا فاذهب وتغيب وكان صالح آغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب إلى مقام الشافعي وأراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك إياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ إلى قريب العصر وأشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرقعنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب إلى مقام الليث ابن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهبت بداياته وغلمانه إلى دار إسماعيل كاشف التي باتوا بها ولما سار إلى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى أثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع إلى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب آغا حضرا إلى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما أنه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا أنرسل إلى كاشف القليوبية بالقبض عليه أينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت إسماعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان وأخذوهم إلى دورهم ولم ينج منهم إلا من كان بعيداً وهرب وتغيب وتفرق أتباعه ذوو اللحى وأما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب إلى نوب فعرف بمانه الشيخ عبد الله زقزوق البنهاوي الذي كان أغراه على الحضور إلى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب إلى كتخدا بك وطلب له أماناً وأخبره أنه مختف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه أماناً وذهب إليه وأحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له أرخ لحيتك واترك ما أنت عليه وأقم في بلدك وأعطيك طيناً تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا أحد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته أربعة أنفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم أمر أشخاصاً من العسكر فأخذوه وذهبوا به إلى بولاق وأنزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين أنهم قتلوه وألقوه في البحر إلا واحداً من الأربعة ألقى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع إلى البر وهرب وانفض أمره. ريب العصر وأشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرقعنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب إلى مقام الليث ابن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهبت بداياته وغلمانه إلى دار إسماعيل كاشف التي باتوا بها ولما سار إلى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى أثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع إلى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب آغا حضرا إلى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما أنه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا أنرسل إلى كاشف القليوبية بالقبض عليه أينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت إسماعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان وأخذوهم إلى دورهم ولم ينج منهم إلا من كان بعيداً وهرب وتغيب وتفرق أتباعه ذوو اللحى وأما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب إلى نوب فعرف بمانه الشيخ عبد الله زقزوق البنهاوي الذي كان أغراه على الحضور إلى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب إلى كتخدا بك وطلب له أماناً وأخبره أنه مختف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه أماناً وذهب إليه وأحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له أرخ لحيتك واترك ما أنت عليه وأقم في بلدك وأعطيك طيناً تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا أحد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته أربعة أنفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم أمر أشخاصاً من العسكر فأخذوه وذهبوا به إلى بولاق وأنزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين أنهم قتلوه وألقوه في البحر إلا واحداً من الأربعة ألقى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع إلى البر وهرب وانفض أمره.
وفيه، أرسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر إليه طائفة من العسكر فلما أتوا إليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني أخبروني بطلبه وأنا أدفعه إن كان غرامة أو كلفة فقالوا لا ندري وإنما أمرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا إلى البر فركب شيخ البلد خيوله وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وأبلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هارباً فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوه في دور أهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز.
وفيه، ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصاً منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار أخرى فانتهزه وأراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هارباً منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحاً هو وأتباعه حتى وصل إلى ناحية الأزبكية.

.شهر رجب سنة 1222:

واستهل بيوم الجمعة في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز وأتفقوا على خروجهم من الإسكندرية وخلوها ونزولهم منها وأرسل يطلب الأسرى من الإنكليز.
وفي عاشره، ورد قابجي ويسمى نجيب أفندي فوصل إلى بولاق يوم الاثنين حادي عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب إليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا طاهر وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق.
وفيه، نزلوا بالأسرى من الإنكليز إلى المراكب ليسافروا إلى الإسكندرية.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره، وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية إلى المراكب ودخل إليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيماً عند السد.
وفي يوم السبت سادس عشره، ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب إلى بيت الباشا وضربوا لقدومه مجافع من القلعة.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه، ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا بها فعملوا شنكاً وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت.
وفي يوم الخميس والجمعة والسبت، وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وأزعجوا الناس وأخرجوهم من أوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير إلى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضاً في شأن ذلك وأرسلوه إلى كتخدا بك فأظهر إليهتمام وأحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم كل من كان ساكناً قبل الخروج إلى العرضي في دار ليرجع إليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئاً لأن البيوت التي كانوا بها أخربوها وحرقوا أخشابها وتركوها كيماناً وذلك دأبهم.

.شهر شعبان سنة 1222:

واستهل بيوم السبت في ثالثه يوم الاثنين وصل الباشا إلى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكاً ثلاثة أيام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان آغا الوكيل سابقاً فانقلبت بهم وأشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب أخرى أنقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة.
وفيه، كتبوا أواق البشارة بذهاب الإنكليز وسفرهم من الإسكندرية وأرسلوها إلى البلاد والقرى وعليها حق الطريق أربعة آلاف وألفين فضة وصورة ما حصل أنه لما وصل الباشا إلى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر إليه أنفار منهم واختلى معهم ولم يعلم أحد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده وأشيع الصلح وفرحت العساكر لأنهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم أشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديواناً وهيأه وأوقف العساكر صفوفاً يمنة ويسرة وعندما وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكاً وقدم لهم خيولاً وهدايا وأقمشة هندية وخلع عليهم خلعاً وشيلاناً كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة إلى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم لهم الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه إلى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدا بك بخمسة أيام وكان في أسرى الإنكليز أنفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على أنهم لم يأتوا طمعاً في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المراكب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة.
هذا، ما كان من أمر الإنكليز، وأما العساكر، فإنهم أفحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من أصحابها فتأتي الطائفة منهم إلى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا إذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة أنهم يتفرجون على أعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع أهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون إليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة وأخرى بكثر الجمع إن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة وإذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار إلا بمصلحة أو هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا أحضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه أحمر أو أصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته، فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال أصفر فأظهر أنه لا يريد إلا الأحمر الدودة، فلم يسعه إلا الرضا وأراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال دعه حتى تأتي بالأحمر ضمه إلى الأصفر وأخذ الاثنين، ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار أنهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين أو ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة أخرى مثل الأولى أو أخف أو أعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له يا أخي يا حبيبي أنا معي ثلاثة أنفار وأربعة لا غير، ونحن مسافرون بعد عشرة أيام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وأنت بحريمك في مكانهم أعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون، كما قالوا في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون أسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا أراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على المحصير والبلتط وأي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهراً ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه إلا أن يتكلف لهم ذلك في أوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون إليه مثل الطشت والإبريق وغير ذلك، ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئاً فشيئاً ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان أخل لنا محلاً آخر في الدار فوق لرفقاتنا فإن قال ليس عندنا محل آخر أو قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة، فعند ذلك يعلم صاحب الدار أنهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة أيام أو أقل أو أكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان وأحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر أهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكناً ولو مشتركاً عند أقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله، ثم يشرعون في إخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون إذا أخذتم ذلك فعلى أي شيء نجلس وفي أي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كانمعنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وأنتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار، إما بترك الدار بما فيها أو بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط، ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد المصريين وأتباعهم ونحوهم، ثم أنهم تعدوا إلى الحارات والنواحي التي لم يتقدم لهم السكنى بها من قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين إذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد أمن جوارهم وخوفاً من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيا والطبنجات، ومما اتفق أن كبيراً منهم دخل بطائفته إلى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وأمره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره أنه من مشايخ العلم، فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته، وحضر إلى إخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعنه منهم وذهبوا إلى الدار ودخلوا إليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة أخذوا أسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هارباً وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه أنها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وأن النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وأنتم أولى لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب أنتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا، ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى وأخرجناهم من البلتد، فنحن أحق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع، ثم لم يزالوا في معالجتهم إلى ثاني يوم، ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل مثل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة وأخذ منها أكثر من ذلك ومنها دار إسماعيل أفندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر أخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وأمثاله، ولما أكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا أناس قاتلوا وجاهدوا أشهراً وأياماً وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم وأجلوهم عن بلاد أفلا تسعونهم في السكنى ونحو ذلك من القول. يكرمون قسسهم ورهبانهم وأنتم أولى لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب أنتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا، ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى وأخرجناهم من البلتد، فنحن أحق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع، ثم لم يزالوا في معالجتهم إلى ثاني يوم، ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل مثل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة وأخذ منها أكثر من ذلك ومنها دار إسماعيل أفندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر أخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وأمثاله، ولما أكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا أناس قاتلوا وجاهدوا أشهراً وأياماً وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم وأجلوهم عن بلاد أفلا تسعونهم في السكنى ونحو ذلك من القول.
ولما انقضى هذا الأمر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الإقليم المصري وثغر الإسكندرية الذي كان خارجاً عن حكمه حتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه، فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضاً فأول ما بدأ به أن أبطل مسموح المشايخ والفقهاء معاً في البلاد التي التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التي فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاماً على جميع الالتزامات والحصص التي بأيدي جميع لناس حتى أكابر العسكر وأصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التي للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم أو يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من أصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه وأكثروا من شراء الحصص من أصحابها المنجلحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم إلا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت أحدهم مثل بيت أحد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين وأعوان وأجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وإنذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوى الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الأمور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف والرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائنهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والتردد عليهم والمهاداة فيما بينهم إلى غير ذلك مما يطول شرحه وأوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والاستجداء وفراغ الأعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء والمعاتبة عليها إن لم يدعوا إليها والتعريض بالطلب وإظهار الاحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالاجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة وإعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت الذي يسمعه القاضي والداني وهو يخاطب رئيسة المغاني يا ستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من التصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والازدراء بمقام العلم بين العوام وأوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات وألفاظ الكتابة المعبر عنها عند أولاد البلد بالأنقاط والتنافس في الأحداث إلى غير ذلك.
وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية.
وفي عاشره، فتحوا أيضاً دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها إلى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان أهل القرية النازل بها ذلك ينتقلون إلى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ، وقد بطلت الحماية أيضاً حينئذ، ثم أنزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيساً ومائة وخمسون وأكثر وأقل.
وفي أثناء ذلك، قرروا أيضاً فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وإن لم يجد المعينون للطلب شيئاً من الدراهم عند الفلاحين أخذوا مواشيهم وأبقارهم لتأتي أربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهراً بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب.
وفي يوم الخميس ثالث عشره، مر الباشا في ناحية سويقة العزي سائراً إلى ناحية بيت بلغيا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا فر مروره فحيثما أتى مقابلاً لذلك المكتب أطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه وأصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم بإحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما، ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بأنهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين، ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا وأغلقوها، فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة من الدلاتية وضربوا أيضاً بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة أنفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصاً نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة، ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا أمتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم، ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة، وعلم ذلك منهم بإشارة بعضهم لبعض رمزاً فغالطهم وخرج مستخفياً من البيت، ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم أقاربه وبلدياته ولما تحققوا من خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة وأشيع في البلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون بأسلحتهم وطلع أفراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم.
وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان، ثم نزلوا.
وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الأحد والناس مفطرون، فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم.